أسماء الحسيني (الخرطوم)

أكد السياسي السوداني البارز مبارك الفاضل المهدي، أن انعدام الثقة بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، معتبراً أن ذلك يؤدي إلى عرقلة تشكيل أجهزة الحكم الانتقالي، بالإضافة إلى الأجندة الحزبية الضيقة التي هزمت المصلحة العامة، وما وصفه بضعف المعرفة والخبرة بقضايا الحكم وتأسيس سلطة انتقالية، حيث إن المعارضة والثورة تختلف عن قضايا الدولة. وقال الفاضل في حوار أجرته معه «الاتحاد» في الخرطوم، إن ما فاقم الوضع عدم اعتراف قوى «الحرية والتغيير» بالمجلس العسكري كشريك في التغيير، وعدم إدراكها الواقع الأمني المعقد في البلاد المتمثل في انتشار الميليشيات والسلاح ووجود معظم قيادات وكوادر النظام السابق طلقاء. وحدد مبارك الفاضل الذي يقود حزباً انشق منذ وقت مبكر من حزب الأمة الذي يقوده ابن عمه، أمام طائفة الأنصار الدينية، 8 أخطاء مشتركة ارتكبها الطرفان، معتبراً أن الوساطة الإثيوبية لم تقدم شيئاً. واعتبر أن العصيان المدني الذي دعت إليه قوى الحرية والتغيير «فشل فشلاً ذريعاً»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «المجلس العسكري» أخطأ في فض الاعتصام، ولم يتخذ إجراءات ضد فلول النظام السابق.
بداية يرى مبارك الفاضل أن الطرفين ارتكبا ثمانية أخطاء قاتلة، ويأخذ على المجلس العسكري جملة منها تتمثل أولاً في تجميده العمل بدستور 2005، وثانياً عدم اعتقاله قيادات وكوادر النظام البائد، وثالثاً عدم اعتقاله رموز الفساد من أعضاء المؤتمر الوطني والتحفظ عليهم، بل السماح لعدد منهم بالسفر خارج البلاد. وأضاف أن رابع أخطاء المجلس العسكري عدم الشفافية حول مصير رأس النظام ورموزه السابقين، وخامساً في دعوته لأحزاب صورية حليفة للنظام حتى لحظة سقوطه للتشاور والحوار. ويوضح الفاضل أن سادس الأخطاء هي عدم إسقاط الأحكام عن قادة الحركات المسلحة وعدم إطلاق سراح الأسرى منهم لتمهيد الأرضية للسلام، بل واعتقاله عدداً من قياداتهم وآخرين، ثم ترحيل قيادات الحركة الشعبية إلى جنوب السودان.
ويضيف أن المجلس أيضاً تجاهل إلغاء قانون النظام العام سيئ السمعة والمخالف للدستور، وأخيراً فض الاعتصام الذي يراه مبارك الفاضل أنه كان خطأ يجب أن يحاسب المسؤول عنه.
ويرى مبارك الفاضل أن تحالف قوى الحرية والتغيير ارتكب عدة أخطاء استراتيجية فادحة أضعفت موقفه التفاوضي، وأزكت الخلافات في داخله، وهزت صورته في وسط الرأي العام، أهم هذه الأخطاء مناطحة الواقع ورفض الاعتراف بالدور المفتاحي المهم للقوات المسلحة والقوات النظامية الأخري في إنجاح الثورة، وحقن الدماء، وتحقيق التغيير، ورفض الاعتراف والتعامل مع المجلس العسكري الانتقالي كشريك أساس في تشكيل وممارسة السلطة. ويوضح مبارك الفاضل أن «الحرية والتغيير» فشل في تقديم مشروع علمي وسياسي ودستوري مدروس للانتقال، وعليه فقد غابت الأولويات في مفاوضاته مع «العسكري».
ويقول السياسي السوداني: كان من الأفضل أن تكون البداية للاتفاق على الدستور ثم تشكيل مجلس الوزراء متزامناً مع بدء المشاورات لتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، وأخيراً تشكيل مجلس السيادة. ويشدد مبارك الفاضل على أن «الحرية والتغيير» لم ينفذ التزامه مع القوى التي شاركت في الثورة بتطوير إعلانه إلى ميثاق يقدم برنامج مفصل للانتقال يجمعه مع القوى المعارضة، ذلك الالتزام الذي أعلنه في مؤتمر صحفي بدار حزب الأمة القومي قبل سقوط نظام البشير بشهرين. ويضيف مبارك الفاضل أن قوى «الحرية والتغيير» دعت إلى إقصاء كل القوى التي شاركت في الثورة ولم توقع على إعلانها، كما عملت على احتكار التفاوض مع «العسكري» فأدى ذلك إلى استقطاب حاد في الساحة السياسية استغلته القوى المضادة للثورة وحلفاؤها لخلق انقسام حاد.
ويقول السياسي السوداني: إن «الحرية والتغيير» تجاهل واقع أن ما يقارب الـ 80% من المعتصمين ليس لهم انتماء سياسي، وأن مطلبهم هو تصفية نظام الإنقاذ، واعتقال رموزه، ومصادرة ما سرقوه، وإقامة نظام ديمقراطي يحقق الحرية والسلام والعدالة. ويضيف أن قوى «الحرية والتغيير» أهملت مطالب الشارع بتصفية الإنقاذ، واعتقال رموزها ومحاكمتهم، واستعادة الأموال المنهوبة، وانشغل بخلافاته الداخلية، ومشاكسة المجلس العسكري بدلاً عن المطالبة بفك تجميد دستور 2005 وتعديله ومن ثم الإسراع بتشكيل الحكومة. ويوضح مبارك الفاضل أن هذه القوى أيضاً تجاهلت وغيّبت الاهتمام بقضية السلام وأهميتها، والحياة المعيشية للناس، والبدء في تنفيذ برنامج لإصلاح الاقتصاد وتحسين معاش الناس، والتحضير للموسم الزراعي الذي يشكل 70% من معاش الشعب السوداني. وانتقد السياسي السوداني كذلك التصعيد الذي قامت به قوى الحرية والتغيير. وأكد مبارك الفاضل أن قوى الحرية والتغيير منقسمة على نفسها، وأن الوساطة الإثيوبية لم تفعل شيئاً غير إعطاء قوى التغيير مبرراً لرفع العصيان الذي فشل فشلاً ذريعاً.
وقال مبارك الفاضل: إن الشعب السوداني قرر الاستعانة بالقوات المسلحة، بعد حراك دام نحو أربعة أشهر انتهى بالاستجابة لمطلب الشعب والانحياز للثورة وإزاحة البشير ونظامه، وحقن ذلك دماء الشعب السوداني وحقق انتقالاً ناعماً وسلمياً للسلطة، ثم تولي السلطة مجلس عسكري انتقالي يمثل القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، وأصبحوا شركاء أصيلين في التغيير. ويرى السياسي السوداني أن تحالف إعلان الحرية والتغيير أراد تجاوز هذا الواقع، وطالب المجلس بتسليمه منفرداً كل السلطة. ووافق المجلس العسكري على اعتماد تحالف إعلان الحرية والتغيير مفاوضاً أوحد وممثلاً للمعتصمين. ويوضح مبارك الفاضل أن قوى «الحرية والتغيير» قدمت تصورها للفترة الانتقالية ولكن دون تحديد دستور يحكم فترة الانتقال، وبالتالي جاء خالياً من تحديد صلاحيات أجهزة ومؤسسات الحكم الانتقالي وكان في مجمله إنشائياً، لذلك اختلف التحالف مع المجلس العسكري حول تركيبة مجلس السيادة وحجم تمثيلهم فيه.
ووصف مبارك الفاضل الإعلان الدستوري الذي قدمه التحالف بأنه «معيب» لا يستند إلى دستور، وقد أعطى التحالف الحزبي النقابي نفسه صفة دستورية من دون تفويض شعبي، متجاوزاً الشريك الممسك بالسلطة الآن ومتجاهلاً بقية القوى السياسية. ويرى السياسي السوداني أن النتيجة لما سبق هي رفض المجلس العسكري وثيقة التحالف الدستورية، ورفض فكرة تسليمه السلطة للتحالف منفرداً. ويقول مبارك الفاضل إن قوى «الحرية والتغيير» أظهرت درجة عالية من عدم الخبرة والمعرفة بقضايا الحكم والدولة، كما ثبت ضعف وحدتها وتماسكها كتحالف بعد أن خرجت خلافاتها للعلن، وكذلك اتضح زيف ادعائها امتلاك السيطرة على المعتصمين عندما فشل في تنفيذ تعهداته مع المجلس العسكري لفتح مسار القطار، وفتح المعابر فوق النيل الأزرق وانسحب منها، وأنكرها عندما واجهه المعتصمون بالرفض.‏

«البلدوزر» الوزير المعارض
يرجح كفة الميزان السياسي مبارك الفاضل المهدي كونه سياسياً سودانياً بارزاً خاض غمار السياسة، وتقلد مناصب رفيعة عديدة في المعارضة والحكومة، تنقل بينها أكثر من مرة، فكان الأمين العام للتجمع السوداني المعارض في التسعينيات من القرن الماضي، وعارض نظام الرئيس المعزول عمر البشير بشراسة، ثم تحالف معه، ثم انقلب عليه، وعاد معه مرة أخرى وزيراً ثم نائباً لرئيس الوزراء، قبل أن يفض تحالفه مع نظام البشير ويعلن انحيازه إلى الحراك السوداني في 19 ديسمبر 2018.
مبارك الفاضل يترأس الآن حزب الأمة الذي انشق عن حزب الأمة القومي الذي يقوده ابن عمه الصادق المهدي، ويطلق عليه أنصاره وخصومه لقب «البلدوزر» في إشارة إلى فعاليته الكبيرة وترجيحه كفة الطرف الذي ينحاز إليه، في شبابه خلال فترة الديمقراطية كان وزيراً للتجارة ثم الداخلية، وفي السنوات الأخيرة أصبح مساعداً للبشير، ثم وزيراً للتجارة فالاستثمار، ثم نائباً لرئيس الوزراء.
وسبق أن تعرض مبارك الفاضل للطرد من ميدان الاعتصام من قبل المحتجين على خلفية مواقفه السابقة المتحالفة مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، رغم أن تحالفاً يضم حزبه وقوى أخرى كان قد انتقل إلى خانة معارضي نظام البشير في آخر أيامه، بينما كان يترنح للسقوط. ومؤخراً شوهد مبارك الفاضل في معية الرجل المثير للجدل أيضاً الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ما أثار علامات استفهام وتكهنات باتت تلوكها الصالونات السياسية!